-كتبت ونشرت مقالا فجر اليوم عن الثورة التونسيّة بمناسبة الاحتفال بسنتها العاشرة..وكان من الملاحظ أنّ الكثير من التعاليق على المقال.. والتي تعكس أيضا نسبة من الرأي العام الرائج عموما حاليّا.. تحتوي على سوء فهم والتباس وخلط بين الثورة من جهة في حدّ ذاتها كتحوّل سياسي واجتماعي تاريخي بالبلاد بعد نصف قرن من الاستبداد.. وبين فشل منظومات الحكم ما بعد الثورة..
هناك شعور عامّ بالاحباط.. وهو منطقي ومفهوم ومُبرّر.. نتيجة فشل الطبقة السياسيّة وجميع الحكومات المتناوبة على الحكم طيلة عشر سنوات من 14 جانفي 2011 عن تحقيق أهداف الثورة وأحلام التونسيّين وتحسين مستوى معيشتهم اقتصاديّا واجتماعيّا.. ونتيجة الوضع المتردّي الذي تتخبّط فيه البلاد على جميع الأصعدة السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة والثقافية والتعليميّة والصحيّة وغيرها..
هذا الوضع والفشل والتعثّر الظرفي حتّى الآن.. (والذي لا يجب أيضا أن ننسى بأنّه تكرّر أيضا في جميع الدول المقارنة الأخرى التي شهدت بدورها انتقالا ديمقراطيّا قبل أن تستقرّ الأمور فيها وتنمو وتتطوّر من جديد).. يجعل البعض يحمّل الثورة نفسها مسؤوليّة ذلك.. ويعتبرون تبعا لهذا الخلط بأنّ الثورة نفسها هي “الشرّ المطلق”.. وأنّها هي السبب في ما تعيشه البلاد من أزمات ومحن..!!بل ويحمّل البعض الحريّة والديمقراطيّة المستجدّة في تونس مسؤوليّة كلّ ما حصل من أخطاء ومن ضعف ومن تذبذب ومن تعثّر طيلة السنوات الأخيرة.. إلى أن وصلنا إلى درجة يشيطن فيها البعض الحريّة وصناديق الاقتراع..!!!
وفي ذلك خلط غريب لا مبرّر له بين الحدث الإيجابي.. الذي هو الثورة.. وبين الممارسة السيّئة.. التي هي ممارسة الحكم.. بقطع النظر عن الثورة في معناها المجرّد..وقد زاد الدّفع والتحريض الإعلامي والسياسي الممنهج والمتعمّد.. والمعارض للثورة منذ حدوثها..
في تعميق ذلك الشعور الخاطئ وذلك الخلط والالتباس اللاّ منطقي وغير الصحيح..!!-كان مقالي اليوم عن الثورة هو بمثابة دعوة إلى نبذ شيطنة الثورة.. وتثمين ما حصل من تحوّل ديمقراطي في البلاد بفضلها.. وتذكير بكون الحريّة التي اكتسبها الشعب التونسي.. ولا زال البعض يعتبر بأنّها أقلّ أهميّة من “الخبز”.. كانت هي أساس تقدّم جميع الدول المتطوّرة اليوم.. وأنّ التجربة والتاريخ المعاصر لم تثبت بأنّ دولة مستبدّة وديكتاتوريّة حقّقت إزدهارا وأصبحت حياة الناس فيها أفضل فعلا في ظلّ القمع..!!مع تأكيد المقال على ضرورة أن تستكمل الثورة تحقيق أهدافها وشعاراتها.. وأن تتحوّل إلى ثورة فكريّة وثقافيّة وتعليميّة واقتصاديّة.. وأن تحدث تحوّلا جذريّا وفعليّا في حياة التونسيّين نحو الأفضل.. ملخّصا ذلك في مقولة:”تحويل الثورة إلى ثروة”..
-يعرف الكثيرون أغنية “سيرة الحب” للمطربة أمّ كلثوم.. التي كتب كلماتها الشاعر “مرسي جميل عزيز”.. حيث تقول الكلمات ما معناه بأنّ الناس تشتكي من الحبّ وتذمّه.. ولكنّ الحقيقة أنّ العيب في المحبّين أنفسهم وليس في الحبّ نفسه في حدّ ذاته.. حيث تقول كلمات الأغنية:”يا اللّي ظلمتوا الحبّ.. وقلتوا وعدتوا عليه..قلتوا عليه مش عارف إيه..العيب فيكم.. يا في حبايبكم..أمّا الحبّ.. يا روحي عليهفي الدنيا ما فيش أبدا أبدا أحلى من الحب..نتعب.. نغلب.. نشتكي منه.. لكن بنحبّ..في الدنيا ما فيش أبدا، أبدا أحلى من الحب..”-وربّما في الدول أيضا ليس هناك ماهو أجمل من الثورة ومن التحوّل من القمع والاستبداد إلى الحريّة والديمقراطيّة..إذ يذمّ الكثير من الناس الثورة اليوم.. ويتّهمونها بالمسؤوليّة عن الوضع المتردّي الذي تغرق فيه البلاد..
لكنّ الحقيقة أنّ العيب ليس في الثورة ولا في الحريّة ولا في الديمقراطيّة.. ولكنّ العيب في الكثير من المواطنين.. وفي الطبقة السياسيّة.. وفي الحكّام والرؤساء والوزراء والمسؤولين.. وفي الأحزاب والشخصيّات السياسيّة.. لكنّ الثورة في حدّ ذاتها هي عمل إيجابي وتحوّل عظيم في تاريخ تونس..وإنّ فشل الطبقة السياسيّة لا يجب أن يُنظر إليه على أنّه فشل للثورة..وسوء الكثير من مكوّنات الطبقة السياسيّة وعجزهم وفشلهم.. لا يجب أبدا أن يُنظّر له ويقع تمريره باعتبار الثورة هي السيّئة.. وأنّها كانت غلطة في تاريخ تونس..فكما في الحبّ العيب هو في المحبّين وليس في الحبّ الجميل نفسه على رأي أمّ كلثوم..فإنّه في تونس العيب في السياسيّين وليس في الثورة العظيمة..!!! -يذكّرنا ذلك المعنى أيضا ببيت شعر شهير للإمام الشافعي يقول فيه:”نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فيناوَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِواناوَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍوَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا”..
-وفعلا.. لو نطقت الثورة لهجتنا بدورها..!!!-إنّ الكثير من الناس ومن السياسيّين ومن الإعلاميّين في تونس يذمّون الثورة والحرية والديمقراطيّة.. والحقيقة أنّ العيب ليس في الثورة ولا في الحريّة ولا في الديمقراطيّة.. فهي مبادئ سامية وأنظمة حكم إيجابيّة.. ولكنّ العيب يكمن في انتهازيّة وعجز وفشل وجهل وفساد الكثير من ممارسي السياسة من الشخصيّات السياسيّة وسائر الحكّام والرؤساء والوزراء.. ومن الأحزاب.. (نكاد لا نستثني عن ذلك في الطبقة السياسيّة الراهنة إلاّ القليل والنادر).. والذين هم في حدّ ذاتهم بعض نتائج وتداعيات سنوات القمع والتصحّر والعقم السياسي في عهد الديكتاتوريّة ما قبل الثورة..- أمّا الحبّ والثورة “فيا عيني عليهم”
..!!–ـ ـ تابعوا الصفحة الشخصيّة للأستاذ عبد اللّطيف درباله ـ ـ https://www.facebook.com/derbala.abdellatif
جميع الحقوق © 2019 محفوظة لـ " حقوق نيوز" - و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من حقوق نيوز | أنجز من قبل حسن عبدالله