تلمسان مدينة العلم والعلماء وعاصمة الثقافة الإسلامية في الجزائر، وقبلة السياح لما تزخر به من أثار وطبيعة مميزة.
تعتبر مدينة تلمسان من أقدم المدن الجزائرية، فقد عثر فيها على حفريات وبقايا أثرية تعود إلى العصور الحجرية، وبعض الشواهد التي تدل على أن تاريخ تأسيسها كان على يد الفنيقيين، الذين جعلوا منها محطة للتبادل التجاري، ومن ثم تحولت إلى مدينة وبؤرة حضارية كغيرها من مدن كثيرة في المغرب الأوسط التي تأسست في تلك الحقبة، ولما احتل الرومان المنطقة أقاموا في مدينة تلمسان قواعد عسكرية وأطلقوا عليها اسم “بوماريا” والتي تعني البساتين.
وعند مجيء الفاتحين المسلمين فتحت المدينة على يد أبو المهاجر دينار في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة، ثم اتخذها طارق بن زياد مقرا له ويقال أنه انطلق منها لفتح الأندلس، وبمرور الوقت كانت مدينة تلمسان تزداد اتساعا وتمثل مقدمة أو مدخلا لمدن غرب المغرب الأوسط.
وفي عهد الدولة الموحدية؛ أصبحت مدينة تلمسان تتبوأ مكانة معتبرة في المغرب الأوسط، فقد عمرها الموحدون وزادت اتساعا كما قاموا بتحصينها حتى أصبحت من أهم المدن هناك وجعلوا منها قاعدة يديرون منها شؤون المغرب الأوسط كله.
لكن مدينة تلسمان شهدت أوج ازدهارها في عهد الدولة الزيانية فقد اتخذها سلاطين بنو زيان عاصمة لهم وظلت مقرا لحكمهم لمدة ثلاثة قرون حتى سقوط دولتهم، وبلغت مدينة تلمسان أيام الزيانيين شهرة واسعة وتطورا كبيرا لم تعهده من قبل، فقد أصبحت حاضرة علمية وثقافية بلغت شهرتها المشرق والمغرب.
وعن تسمية مدينة تلمسان فيرجح أنه أطلقه عليها سكانها من قبيلة زناتة البربرية التي استوطنت المنطقة، وتنقسم الكلمة إلى: “تلم” وتعني تجمع و”سين” وتعني اثنين أي أن المدينة تجمع بين التل والصحراء، وتشتمل المدينة على سور كبير يحيط بها من جميع الجهات ولها خمسة أبواب.
كانت مدينة تلمسان في عهد الزيانيين منارة للعلم والعلماء، تضاهي بذلك حواضر العالم الإسلامي آنذاك، فقد كان سلاطين بني زيان يشجعون العلماء والحركة العلمية عامة، فشيدوا المدارس احتفوا بالعلماء وعقدوا المناظرات والمجالس العلمية والأدبية في بلاطهم، فكان السلطان يشرف على المجالس العلمية والمنابر التي تلقى فيها الدروس في شتى العلوم العقلية والنقلية من عقيدة وتاريخ وغيرها، وقد تبعوا بذلك نهج أسلافهم الموحدين، وعلى الرغم من الضعف الذي بلغ الدولة الزيانية في آخر أيامها إلا أن مكانة العلماء لم تتراجع فيها وظل الاهتمام بالحركة العلمية قائما.
ازدهرت الحياة الثقافية والفكرية في مدينة تلمسان ونشطت الحركة العلمية بفضل هذه السياسة، وشملت جميع فروع العلم والمعرفة، بفضل المدارس التي انتشرت عبر أحياء المدينة وأرجائها، وكانت هذه المدارس تحتوي على مكتبات لحفظ الكتب وتوفيرها للطلبة للاستفادة منها.
تنافس السلاطين الزيانيين في استقطاب العلماء والفقهاء إلى مجالسهم، مثلما كان الحال في عهد الموحدين، فكان بلاط السلطان أبو حمو موسى الثاني –الذي كان بدوره شاعرا أديبا- زاخرا بالعلماء والمجالس والمناظرات، التي أتاحت الفرصة للحوار والمناظرة والتعمق في البحث، ونذكر في هذا المقام بعضا من مشاهير علماء مدينة تلمسان.
ابن الأشيري: (… – بعد 569هـ/ … – بعد 1173م ) واسمه حسن بن عبد الله بن حسن الكاتب أبو علي، وهناك أكثر من عالم مشهور باسم الأشيري وعاشوا في زمنه، وذلك نسبة إلى بلدة أشير التي ينحدرون منها، لكن من نقصده هنا ببحثنا هو أديب، وشاعر، وكاتب، وعارف بالقراءات واللغة، ولد بتلمسان ونشأ بها، إلا أنه انتقل إلى المرية بالأندلس حوالي منتصف القرن السادس الهجري، ومن مؤلفاته “مجموع في غريب الموطأ”، وكذا “نظم اللآلي” وهو عبارة عن مختصر في التاريخ، كما ترك أيضا “قصيدة” في غزوة السبطاط سنة 569هـ ، ولا يعرف تاريخ وفاته بالضبط لكنه يرجح أنه بعد نظم هذه القصيدة بمدة غير طويلة.
الآبلي: ( 681 – 757هـ /1282 – 1350م ) هو محمد بن إبراهيم بن أحمد الآبلي، أبو عبد الله، من أشهر علماء تلمسان في القرن الثامن الهجري، وشيخ العلوم العقلية والنقلية في عصره، وهو أحد الذين تتلمذ على يدهم ابن خلدون وكذا لسان الدين بن الخطيب.
وعلى الرغم من أنه أندلسي الأصل إلا أنه ولد بتلمسان ونشأ بها، فهو ابن لأحد الجنود النازحين من الأندلس والذين استخدمهم يغمراسن بن زيان وولده في الجيش، وكانت عائلته كلها ممن عملوا في الجندية لكن محمد بن إبراهيم اختلف عنهم وشق طريقه للعلم والتحصيل، انكب على تعلم شتى أصناف العلوم عقلية ونقلية، فدرس أول الأمر في مدينة فاس ومن ثم سافر إلى المشرق في رحلة الحج مرورا بمصر وبغداد واستقر لمدة في كربلاء، وبعد عودته إلى تلمسان انتقل مرة أخرى إلى فاس وهناك اندمج في طبقة العلماء بمجلس السلطان أبي الحسن المريني، وأخذ عنه عدد من الأئمة كابن الصباغ والمكناسي والشريف التلمساني والشريف الرهوي وابن مرزوق الجد، وابن عرفة، وأبي عثمان العقباني.
الأريسي: ( القرن 7هـ /القرن 13م ) وهو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الأريسي المعروف بالجزائري، أبو عبد الله، وهو شاعر وأديب من كبار أدباء الجزائر في القرن السابع للهجري، وكان شيخ كتبة الديوان في بجاية، كان يجيد الشعر والنثر، قال عنه الغربيني: “إن طال في شعره أعرب، وإن اقتصر واقتصد أعجب”، وقد نظم الشعر في شتى فنونه، وهو حفيد الأريسي الفقيه المالكي الذي عاش ببجاية.
التلمساني: ( 609 – 690هـ/ 1213 – 1291م ) هو إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التلمساني، المكنى بأبي إسحاق، شاعر وأديب من فقهاء المالكية، ولد في تلمسان ولكنه لم يعش فيها سوى تسعة أعوام عندما انتقل أبوه إلى الأندلس، واستقر في مدينة مالقة التي درس بها على يد ثلة من العلماء من أمثال: أبي بكر بن دحمان، وأبي صالح بن الزاهد، ومن ثم استقر به المقام في مدينة سبتة إلى أن مات بها، كان التلمساني أديبا وشاعرا ماهرا نظم “أرجوزة في الفرائض” وهو ابن 28 سنة، وقد وصفها ابن الخطيب بأنه “لم يصنف في فنها أحسن منها”، وله أيضا منظومات في السير وأمداح النبي (ص) وأعياد المولد النبوي، فضلا عن تأليفه لعدة مقالات في علم العروض.
ابن النجار التلمساني: ( … – 749هـ/ … – 1349م ) هو محمد بن يحيى بن علي أبو عبد الله المشهور بابن النجار التلمساني، من كبار علماء تلمسان في عصره، لقبه ابن خلدون “بشيخ التعاليم” كان إماما في علوم النجامة وأحكامها وكل ما يتعلق بها، أخذ ابن النجار عن علماء تلمسان، ثم رحل بغرض الدراسة إلى فاس وسبتة، ومراكش، وعاد منها بعلم غزير. عندما استولى السلطان أبو الحسن المريني على تلمسان سنة 737هـ دخل في طاعته، وتوجه معه إلى تونس عام 748هـ التي توفي بها بسبب الطاعون الذي ضرب المنطقة، وقد نقل له الونشريسي بعض الفتاوى.
الثغري: ( أواخر القرن 8 هـ/ أوائل القرن 15م ) هو محمد بن يوسف القيسي التلمساني، أبو عبد الله بالمعروف بالثغري، وهو شاعر وأديب وكاتب، من أشهر شعراء تلمسان وبلغائها المتقدمين لدى سلاطينها، فقد كان في بلاط السلطان أبي حمو موسى الثاني، وصفه المقرّي “بالعلامة الناظم الناثر”، له العديد من القصائد، جمع بعضها يحيى بن خلدون في كتابه “بغية الرواد”، وجمع المقرّي البعض الآخر في كتابه “أزهار الرياض” وجمع أيضا ابن عمار شيئا من قصائد الثغري في كتابه “نحلة الحبيب”.
حافي رأسه: ( 606 – 680هـ/ 1209 – 1281م ) هو محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر، أبو عبد عبد الله جمال الدين، الزناتي التلمساني، واحد من أشهر أئمة العربية في عصره، ويقال أنه لقب بحافي رأسه لأنه أقام مدة مكشوف الرأس فلقب بذلك، وقيل أيضا أنه بسبب حفرة كانت في رأسه، ولد بتاهرت (وقيل بتلمسان)، ودرس في تلمسان على يد محمد بن منداس صاحب الجزولي، وعبد الرحمن بن الزيات، وبعدها انتقل إلى مصر وهناك استقر بالإسكندرية إلى أن توفي بها، وهناك أخذ عن عبد العزيز بن مخلوف الإسكندري وعدد من العلماء، ثم تصدر لإقراء العربية فأصبح “شيخ أهل الإسكندرية في النحو” كما وصفه أبو حيان، وقد اختلف في تاريخ وفاته فقيل سنة 680هـ وقيل 693هـ وقيل سنة 691هـ.
جميع الحقوق © 2019 محفوظة لـ " حقوق نيوز" - و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من حقوق نيوز | أنجز من قبل حسن عبدالله