الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث، أبو عبد الله الأَصْبَحِيُّ الحِمْيَرِيُّ الأَصْبَحِيُّ المدني، إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، وُلِدَ في المدينة المنورة سنة 93هـ، ونشأ في رفاهيةٍ وتجمُّلٍ.
أخذ القراءة عرضاً عن نافع بن أبي نعيم.وأخذ أيضاً عن: سعيد المَقْبُرِيِّ، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وابن المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وعبد الله بن دينار، وغيرهم الكثير.
وروى عنه: أبو حنيفة، والأوزاعي، وشُعبَة بن الحجاج، وسفيان الثَّوري، وحمَّاد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم الكثير.
وطلب مالك العلم وهو ابن بضع عشرة سنة، وتأهل للفتيا، وجلس للإفادة، وله إحدى وعشرون سنة، وحدث عنه جماعة وهو حي شاب طري، وقصده طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور، وما بعد ذلك، وازدحموا عليه في خلافة الرشيد، وإلى أن مات.وكان مالك إماماً في نقد الرجال، حافظاً، مجوداً، متقناً، وكان عالماً باختلاف الصحابة.
تعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم:- كان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سِنِّه، ويقول: لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفونة.
طريقته في التحديث:- كان مالك إذا أراد أن يحدث توضأ، وجلس على صدر فراشه، وسرَّح لحيته، وتمكَّن في جلوسه بوقار وهيبة ثم حدَّث، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أُعظِّم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أُحدِّث به إلا متمكناً على طهارة، وكان يكره أن يُحدِّث على الطريق أو قائماً أو مستعجلاً، ويقول: أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان صلباً في دينه، بعيداً عن الأمراء والملوك، وجَّه إليه الرشيد العباسي ليأتيه فيحدثه، فقال: العلم يؤتى، فقصد الرشيد منزله واستند إلى الجدار، فقال مالك: يا أمير المؤمنين من إجلال رسول الله إجلال العلم، فجلس بين يديه، فحدثه.
وسأل هارون الرشيد مالكاً -وهو في منزله، ومعه بنوه- أن يقرأ عليهم. قال: ما قرأت على أحد منذ زمان، وإنما يُقرَأ عليَّ. فقال: أخرج الناس حتى أقرأ أنا عليك. فقال: إذا مُنِعَ العامُّ لبعض الخاص، لم ينتفع الخاص. وأمر معن بن عيسى، فقرأ عليه.
يأبَى الجَوابَ فمــا يَراجَـعُ هيْبــةً.. فالسَّائلونَ نـواكِــسُ الأْذقـــانِهدْيُ الوَقَـــار وعِــزُّ سُلطـانِ التُّقى .. فهُــوَ المَهيبُ وليــسَ ذا سُلطانِ
يأبَى الجَوابَ فمــا يَراجَـعُ هيْبــةً.. فالسَّائلونَ نـواكِــسُ الأْذقـــانِ
هدْيُ الوَقَـــار وعِــزُّ سُلطـانِ التُّقى .. فهُــوَ المَهيبُ وليــسَ ذا سُلطانِ
وقال ابن المبارك في الإمام مالك أيضاً:
صَمُوتٌ إذا ما الصمْتُ زَيَّــنَ أَهلـهَ.. وفتَّاقُ أبكارِ الكَلام المختَّــمِوعَى ما وَعَـى القُرآنُ مِن كُـلِّ حِكمَةٍ.. وسِيطتْ له الآدابُ باللَّحمِ والدَّمِ
صَمُوتٌ إذا ما الصمْتُ زَيَّــنَ أَهلـهَ.. وفتَّاقُ أبكارِ الكَلام المختَّــمِ
وعَى ما وَعَـى القُرآنُ مِن كُـلِّ حِكمَةٍ.. وسِيطتْ له الآدابُ باللَّحمِ والدَّمِ
لا يختلف أهل العلم على فضل الموطَّأ ومكانته بين الكُتُب، وقد اُختُلِفَ في عدد أحاديثه، فقد نُقِلَ عن سليمان بن بلال قوله: لقد وضع مالك الموطَّأ وفيه أربعة آلاف حديث، أو قال أكثر، فمات وهي ألف حديثٍ ونيِّف يخلصها عاماً عاماً بقدر ما يرى أنَّه أصلح للمسلمين وأمثل في الدِّين.
وقال الأبهري في هذا السِّياق: جُملة ما في الموطَّأ من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلَّم، وعن الصَّحابة والتابعين ألف وسبعمائة وعشرون حديثاً، المُسنَد منها ستمائة حديث، والمرسل مائتان واثنان وعشرون حديثاً، والموقوف ستمائة وثلاثة عشر، ومن قول التابعين: مائتان وخمس وثمانون.
ونظراً لمكانة مالك العلمية وشهرته بعالم المدينة في وقته؛ فقد تكاثر عليه الرُّواد للأخذ عنه وخاصَّة كتاب الموطَّأ، فقد أخذه عنه الجمُّ الغفير من العلماء.
قال إمام المحدِّثين في الهند، ولي الدين الدهلوي (1703-1762 م) صاحب “الحجة البالغة واصفاً “الموطأ”: ” كتاب الموطَّأ، أصحُّ الكُتُبِ وأشهرها وأقدمها وأجمعها، وقد اتفقَ السَّوادُ الأعظم من الملَّة المرحومة على العمل به، والاجتهاد في روايته ودرايته، والاعتناء لشرح مشكلاته ومُعضلاته، والاهتمام باستنباط معانيه، وتشييد مبانيه، وَمَنْ تتبَّع مذاهبهم، ورُزِقَ الإنصاف من نفسه؛ عَلِمَ لا محالة أنَّ الموطَّأ عُدَّة مذهب مالك وأساسه، وعُمدة مذهب الشَّافعي وأحمد ورأسه، ومِصباح مذهب أبي حنيفة وصاحبيْه ونبراسه، وهذه المذاهب بالنسبة للموطَّأ كالشروح للمتون، وهو منها بمنزلة الدوحة من الغصون”.
وأضاف الدهلوي” وإنَّ النَّاسَ وإنْ كانوا من فتاوى مالك في ردٍّ وتسليم، وتنكيت وتقديم، ما صفا لهم المشرب، ولا تأتَّى لهم المذهب، إلَّا بما سعى في ترتيبه في الموطَّأ واجتهدَ في تهذيبه، لذلك قال الشَّافعي: ليسَ أحدٌ أمنَّ عليّ في دين الله من مالك، وعُلِمَ أيضاً أن الكُتُب المُصنَّفة في السُّنَنْ كـ(صحيح مسلم) و (سنن أبي داود)، وما يتعلَّق بالفِقه من (صحيح البُخاري) و (جامع الترمذي) مستخرجاتٌ على الموطَّأ، تحومُ حَوْمه، وتروم رومه، مطمح نظرهم منها ما وَصْل ما أرسله، ورَفع ما أوقفه، واستدراك ما فاته، وذكر المتابعات والشَّواهِد لما أسنده، وإحاطة جوانب الكلام بِذِكر ما رُوي خِلافه”.
توفي في المدينة المنورة، في شهر ربيع الأول، سنة 179هـ.
اقرأ هنا كيف ترسخت المدرسة الفقهية المالكية في المغرب والأندلس؟
جميع الحقوق © 2019 محفوظة لـ " حقوق نيوز" - و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من حقوق نيوز | أنجز من قبل حسن عبدالله